كيف تحمل ذكرى 21 مايو 1994 رمزية وطنية وسياسية عميقة في الوجدان الجنوبي؟

الزبيدي
الزبيدي

#الذكرى_31_لفك_الارتباط.. في الثاني والعشرين من مايو عام 1990 وفي خطوة متسرعة وغير مدروسة دخلت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب) وتحت أوهام الوحدة العربية في وحدة مع الجمهورية العربية اليمنية (الشمال)، لتتكون بذلك دولة جديدة سُميت بـ "الجمهورية اليمنية"، في خطوة وُصفت آنذاك بأنها تجسيدٌ لطموحات الشعبين في تحقيق الوحدة العربية، وإنهاء حالة الانقسام والصراعات التي عاشها اليمن لعقود.

غير أن هذا الحلم الوطني لم يلبث أن تحول إلى كابوس، بعد أن أخل نظام الرئيس علي عبدالله صالح باتفاقيات الوحدة وتنكر لشركائه الجنوبيين. فبدلًا من ترسيخ شراكة حقيقية وعدالة في تقاسم السلطة والثروة، لجأ النظام إلى الإقصاء والتهميش والتصفية السياسية، حيث تم اغتيال عدد من القيادات الجنوبية، وبدأ مسلسل ممنهج لتفكيك مؤسسات الدولة الجنوبية السابقة، ونهب الممتلكات العامة والخاصة، وفرض سياسات الإذلال والتجويع والتضييق على أبناء الجنوب.

وفي صيف عام 1994، شن النظام اليمني حربًا شاملة على الجنوب استخدم فيها كل أنواع الأسلحة، ما أدى إلى سقوط آلاف الشهداء والجرحى، وتدمير البنية التحتية، واجتياح المدن، ونهب المنازل والأراضي والممتلكات، في واحدة من أبشع صور العدوان الداخلي. وفي ظل هذا الواقع المرير والانقلاب الصريح على مشروع الوحدة، لم يكن أمام القيادة الجنوبية آنذاك إلا إعلان فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية في 21 مايو 1994، كخطوة للدفاع عن الأرض والكرامة، وتأكيدًا على رفض الاحتلال والاستبداد.

منذ إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، دخل الجنوب مرحلة جديدة اتسمت منذ بدايتها بعدم التوازن والشراكة غير المتكافئة، لكن ما لبثت أن تحولت هذه المرحلة إلى واقع مأساوي بعد حرب صيف 1994، حين شن النظام اليمني بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح حربًا شاملة على الجنوب، انتهت باجتياحه عسكريًا وإخضاعه بالقوة. ومنذ ذلك الحين، بدأت فصول طويلة من الانتهاكات الممنهجة التي طالت كل جوانب الحياة في الجنوب، وتحولت إلى سياسة ممنهجة هدفت إلى كسر إرادة الشعب الجنوبي ومحو هويته الوطنية.

تعرض مئات الآلاف من الضباط والجنود والموظفين الجنوبيين للإقصاء والتهميش والتسريح القسري من مؤسسات الدولة تحت ذرائع مختلفة، ما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية لعشرات الآلاف من الأسر، وحرمان الجنوب من الكفاءات والخبرات التي كانت تشكل ركيزة مهمة في بناء دولته السابقة.
تم استهداف النخب السياسية والعسكرية الجنوبية من خلال حملات اغتيال، واعتقالات تعسفية، ومطاردات مستمرة، إضافة إلى تغييب أصوات الجنوب في مؤسسات الحكم، وتحويل الوحدة إلى غطاء للهيمنة والاستحواذ الكامل على الثروة والسلطة.

إلى جانب ذلك، جرى نهب الأراضي والممتلكات العامة والخاصة، وتمت السيطرة على الشركات والمنشآت الاقتصادية في الجنوب، وتحويلها لصالح قوى النفوذ في الشمال.
كما تعرضت المدن الجنوبية لسياسات إفقار متعمدة، وتدهورت فيها الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وكهرباء ومياه، رغم غنى الجنوب بموارده وثرواته. ورافقت هذه السياسات عمليات قمع ممنهج للحراك السلمي الجنوبي منذ انطلاقه في العام 2007، عبر استخدام القوة المفرطة في مواجهة المظاهرات والاحتجاجات، واعتقال الناشطين والزج بهم في السجون، وتعريضهم للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية.

إن هذه الجرائم والانتهاكات، المتراكمة على مدى عقود، لم تكن مجرد ممارسات فردية أو أخطاء عابرة، بل كانت تعبيرًا عن نهج سلطوي قائم على الإقصاء والاحتلال والاستعلاء على الجنوب، وهي التي رسخت في الوجدان الجنوبي قناعة راسخة بأن الوحدة قد تم الانقلاب عليها وتحولت إلى أداة قمع وتهميش.
لهذا السبب فإن مطالبة الجنوبيين بفك الارتباط لم تأتِ من فراغ، بل جاءت كنتيجة طبيعية لتلك المعاناة، وكرد فعل مشروع على حرب فرضت عليهم، وعلى سنوات طويلة من الظلم والنهب والإقصاء، ولتأكيد حقهم في استعادة دولتهم الجنوبية المستقلة، والعيش بكرامة في ظل نظام عادل يمثل تطلعاتهم ويحترم إرادتهم.

تحمل ذكرى 21 مايو 1994 رمزية وطنية وسياسية عميقة في الوجدان الجنوبي، حيث يُحيي الجنوبيون هذا اليوم كل عام كتاريخ مفصلي أعلنوا فيه فك ارتباطهم بالجمهورية اليمنية، عقب حرب صيف 1994 التي اجتاحت فيها قوات نظام صنعاء الجنوب عسكريًا، وأجهضت مشروع الوحدة السلمية التي أُعلنت في 22 مايو 1990 بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية.

يُمثل 21 مايو في ذاكرة الجنوب خطًا فاصلًا بين مرحلتين تاريخيتين متباينتين: مرحلة الوحدة المغدورة التي قامت على التوافق والشراكة ثم انتهت بالغدر والتهميش، ومرحلة المشروع الوطني الجنوبي المتجدد لاستعادة الدولة الجنوبية وبناء مستقبل يعبّر عن إرادة الشعب الجنوبي. لقد أدرك الجنوبيون بعد تلك الحرب الظالمة أن الوحدة لم تُبنَ على أسس متكافئة، بل تحولت إلى غطاء للهيمنة والاستيلاء، وبدلًا من تحقيق العدالة والمواطنة المتساوية، جلبت الوحدة الدمار والنهب والانتهاكات التي طالت كل مناحي الحياة في الجنوب.

لا يعد إحياء ذكرى فك الارتباط مجرد احتفاء بحدث سياسي مضى، بل هو تجديد للعهد مع الأرض والتاريخ، وإعلان متواصل بأن الجنوب يرفض الاستبداد ويرنو إلى مستقبل حر ومستقل.
ففي كل عام، تتحول هذه الذكرى إلى منصة وطنية للتأكيد على أن مشروع الدولة الجنوبية لا يزال حيًا ومتجددًا، ينهل من نضالات الماضي ويتطلع إلى بناء دولة حديثة على أسس العدالة والديمقراطية والسيادة.

وتأتي رمزية هذا اليوم أيضًا من كونه لم يكن قرارًا فرديًا أو نخبويًا، بل كان ثمرة لوعي شعبي واسع عبّرت عنه جماهير الجنوب بمختلف أطيافها، وكرسته لاحقًا عبر الحراك السلمي الجنوبي منذ 2007، ثم عبر الانخراط في مقاومة الاحتلال والسياسات الإقصائية، وصولًا إلى بناء مؤسسات سياسية وأمنية وعسكرية جنوبية على طريق الاستقلال الكامل.

إن 21 مايو لا يُقرأ فقط في سياق الماضي، بل يُقرأ كعنوان لمرحلة مستمرة تتجسد اليوم في تمسك الجنوبيين بحقهم في تقرير المصير، وفي سعيهم لبناء دولتهم المنشودة، وفي تضحيات الشهداء والجرحى الذين قدموا أرواحهم دفاعًا عن الهوية والكرامة. وبالتالي، فإن هذا اليوم أصبح أكثر من ذكرى؛ إنه محطة نضالية متجددة تؤكد أن الجنوب قد تجاوز مرحلة الخضوع، وبدأ مرحلة استعادة الحقوق وبناء الحاضر والمستقبل على أسس وطنية خالصة تعكس تطلعاته المشروعة.


انضموا لقناة متن الإخبارية علي تيليجرام وتابعوا اهم الاخبار في الوقت المناسب.. اضغط هنا https://t.me/matnnews1