أسامة محمد يكتب.. الحشاشون والطاعة العمياء
حديثنا اليوم عن فرقة تركت أثرًا غامضًا في صفحات التاريخ، فرقة لم تكن كباقي الفرق التي ظهرت واختفت، بل كانت كيانًا غامضًا في التخفي، والاغتيال، والتأثير النفسي.
فرقة عرفت بأسماء كثيرة، أشهرها الحشاشون، ونسجت حولها الأساطير والحكايات، حتى بات من الصعب الفصل بين الواقع والخيال، لكن المؤكد أن هذه الجماعة لم تعتمد على القوة التقليدية، بل استخدمت الطاعة العمياء، والإيمان المشوه، والتلاعب النفسي، لصناعة أتباع يتحركون بلا تفكير كأداة.
مؤسس هذه الجماعة هو حسن الصباح، المعروف بلقب شيخ الجبل. لم يكن مجرد داعية ديني، بل كان عقلًا استراتيجيًا شديد الذكاء. خدم في الدولة السلجوقية لسنوات دون أن يعلموا أنه يخطط لتأسيس واحدة من أخطر الجماعات في التاريخ. اتجه إلى قلعة آلموت في إيران، وأسس هناك دولة سرية قائمة على العقيدة الإسماعيلية النزارية، لكن عن طريقة شبكة من الفدائيين التي تقوم بتنفيذ اغتيالات كبيرة تهز عروش الملوك والسلاطين.
من أشهر القصص التي تبرز خطورة جماعة الحشاشين ما رواه المؤرخ جمال الدين ابن العديم عن حادثة غريبة. حيث أرسل راشد الدين سنان، زعيم الحشاشين في الشام، رسولًا إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي، يطلب مقابلته بمفرده. استجاب السلطان، وأبقى معه اثنين فقط من مماليكه. ثم التفت الرسول إليهما وسألهما: "إذا طلب منكما قتل السلطان، هل تفعلان؟" فأجاب المملوكين دون تردد: "نعم"، ورفعوا سيوفهم فورًا. تفاجأ السلطان مما رأى، وغادر الرسول المكان، مصطحبًا المملوكين معه.
ومن أكثر القصص تداولًا أيضًا، أسطورة الجنة المزيفة، حيث يقال إن الجماعة كانت تخدر الشبان، وتنقلهم إلى حدائق قلعة آلموت، المليئة بالحور العين والخمور، فيعتقدون أنهم في الجنة. ثم يعيدونهم إلى الواقع، ويقنعونهم أن السبيل الوحيد للعودة إلى هذا النعيم هو طاعة الشيخ، وتنفيذ أوامره، حتى لو قتلت.
سواء كانت القصة حقيقية أم لا، فهي تظهر كيف يمكن استغلال المعتقدات الدينية، مثل الجنة والنار، للتأثير على الوعي البشري. بدلًا من تحفيز البحث عن الحقيقة، يتم التلاعب النفسي بالفرد ليصبح أداة تنفذ الأوامر دون تفكير نقدي. وفي علم النفس، يعرف هذا به البرمجة العصبية حيث يربط شعور الفرد بالأوامر الخارجية، مما يعطل قدرته على التفكير المستقل، وتصبح دعوة الإلغاء الكامل للعقل
وفي النهاية، قضى المغول على فرقة الحشاشين بقيادة هولاكو عام 1256م، لكن السؤال الأهم لكل من قرأ هذا المقال، هل انتهت جماعة الحشاشين؟ أم لا؟
تجربة الحشاشين تدفعنا لإعادة التفكير في مفاهيم مثل الطاعة، والقيادة، والإيمان. فليس كل من يتحدث باسم الدين نبيًا، ولا كل دعوة للجهاد نقية. الفارق الحقيقي بين الإيمان والاتباع الأعمى هو العقل، وإذا غاب العقل، يتحول الدين إلى أداة للطاعة العمياء والعبودية.
