القوة الاقتصادية لروسيا من أهم عوامل قوتها الشاملة

الحرب الروسية الأوكرانية
الحرب الروسية الأوكرانية

كل المؤشرات الميدانية والتوقعات تؤكد تقدم روسيا وقدرتها على حسم الحرب في أوكرانيا لصالحها وخسارة الأخيرة لهذه الحرب، لسبب منطقي وهو تفوق روسيا على أوكرانيا وعلى الدعم الغربي الكبير لها بكل عوامل القوة الشاملة، بما فيها القوة الإقتصادية التي كان يراهن عليها المخططون الاستراتيجيون في الغرب.


الأمر اللافت خلال سنوات الحرب في اوكرانيا أن الاقتصاد الروسي خالف التوقعات بما أظهره من صمود، وبما يدحض رهانات الغرب الذي عوّل بشكل كبير على العقوبات الاقتصادية من أجل خنق موسكو لدفعها للتراجع عن موقفها، لكنّ  الذي حصل كان العكس.. اقتصاد الغرب هو من تضرر بينما ظل الاقتصاد الروسي قويًا. 


بينما يعاني الاقتصاد الأوكراني من أزمات خانقة، لا سيما مع ضرب مراكز الطاقة من قبل صواريخ الفرط الصوتي الروسية، بالإضافة إلى اندلاع غضب أوروبي من المنتجات الأوكرانية التي أغرقت السوق الأوروبية، بسبب رفع الاتحاد الأوروبي الحواجز الجمركية عنها منذ 22 مايو2022؛ ما أدى إلى صعوبة منافسة المنتج الأوروبي للمنتجات الأوكرانية رخيصة الثمن.


اقتصاد روسيا يمتلك احتياطيا كبيرا يمكنه من النمو، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5 بالمئة، ونمت الصناعة بنسبة 6 بالمئة، والاستثمار 10 بالمئة؛ ما يعني قدرة موسكو  على مواجهة العقوبات، بينما انخفض دين الدولة الخارجي من 46 مليار دولار إلى 32 مليارا خلال العام الماضي.


كما حقّقت التجارة السلعية خلال العام الماضي فائضا بلغ 308 مليارات دولار حسب الإحصاء الروسي، أو 292 مليار دولار حسب منظّمة التجارة العالمية، لتحتل روسيا بذلك الفائض الكبير المركز الثاني بعد الصين.


الاقتصاد الروسي فاجأ المخططين لحزم العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليه، بل حتى الروس أنفسهم لم يتوقعوا صمود اقتصادهم بهذه القوة أمام العقوبات المتتالية من الولايات المتحدة الأميركية ومن الاتحاد الأوروبي، وتجميد الأصول الروسية في الخارج، بالإضافة لإيقاف خط الغاز الروسي المهم "نورد ستريم 1" وتفجير خط "نورد ستريم 2" الذي كان من المفترض أن يدخل الخدمة قبل بداية الحرب، فقد توقع الجميع أن ينهار الاقتصاد الروسي أمام هذا الكم الكبير من التحديات.


ووصلت العقوبات، التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا لإجبارها على الانسحاب من أوكرانيا، 12حزمة عقوبات، تغطّي نحو 1800 فرد وكيان.

صلابة الاقتصاد الروسي لعدة عوامل هي:


الخطة الروسية المسماة "الأنبوب إلى الشرق" أي تحويل صادرات روسية من منتجات مثل الغاز والنفط إلى دول الشرق مثل الصين والهند، بعد أن كانت تتجه قبل الحرب في أوكرانيا إلى الغرب.
مبيعات الغاز والنفط الروسي إلى الصين والهند تضاعفت بشكل كبير جدًا، ووصل ناتج التجارة السنوية بين روسيا والصين في 2023 إلى ما يقرب من 200 مليار دولار، وهذا تقريبا ضعف معدل قبل الحرب.


مرونة الاقتصاد الروسي وقدرته على التحول السريع بعد فصل روسيا عن جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "سويفت"، إلى الاعتماد على نظام تحويلات مالية خاص بروسيا.


نجاح روسيا في استخدام الدبلوماسية الاقتصادية بشكل ملفت للنظر؛على سبيل المثال دبلوماسية الحبوب، وتوفير روسيا الحبوب بشكل مجاني للدول المُهددة بمجاعة، ما ساعدها في هذا إنتاجها الكبير من الأسمدة والحبوب.
قدرة روسيا على الابتعاد عن العزلة السياسية، وتوسيع علاقاتها مع دول الجنوب والدول الآسيوية ودول أميركا اللاتينية التي تضاعفت التجارة بينها وبين روسيا.


ذكاء روسيا في بناء شراكات مع كتل اقتصادية مهمة مثل مجلس التعاون الخليجي؛ ففي العام الماضي زار بوتين الإمارات والسعودية في أوج الحرب، بالإضافة إلى تعاون روسيا مع السعودية للحفاظ على سعر النفط من خلال التنسيق في "أوبك بلس" في وقت فشلت فيه الولايات المتحدة والدول الأوروبية في سعيها لوضع سقف لسعر النفط الروسي. ويضاف إلى ما سبق توسع تكتل البريكس، ما فتح أسواق جديدة للمنتجات الروسية.


روسيا تعلمت درسًا مهمًا من العقوبات التي فرضت عليها في العام 2014 بعد ضمها شبه جزيرة القرم، وهو عدم الاعتماد على الغرب في المجال الاقتصادي، ولأجل هذا بدأت في سياسة عدم الاعتماد على الدولار في التعامل التجاري، مع دول آسيا الوسطى.