هل طويت حقبة قائد فاغنر يفغيني بريغوجين؟

قائد فاغنر
قائد فاغنر

بإعلان السلطات الروسية، مساء 23 أغسطس 2023، مقتل زعيم مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين خلال حادث تحطّم طائرة ركّاب خاصّة على متنها 10 أشخاص في منطقة تفير شمال غربي موسكو خلال رحلة داخلية، تبدو حكاية قائد مجموعة "فاغنر" قد مرّت بمراحل متقلبة، بدأت بالصداقة مع زعيم الكرملين وحمل لقب "طباخ بوتين"، وانتهت بـ "الخيانة".

وجاء إعلان السلطات الروسية، بعد نحو شهرين من تحوّل الملياردير من أحد رجالات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى أكبر مصدر تهديد له ولحكمه، مع تفجر الخلافات بين المجموعة التي يقودها، والقيادة العسكرية الروسية، وفشله في قيادة تمرّد على الأخيرة في موسكو في يونيو الماضي.

وتجاوز هذا الرجل المتهوّر الذي يصعب التنبّؤ بتحرّكاته، خط اللاعودة حين قرّر الانقلاب على زعيم الكرملين.

وفي 24 يونيو، وهو اليوم التالي لبدء تمرد فاغنر، أدان الرئيس الروسي "خيانة" يفغيني بريغوجين التي عزاها إلى "الطموحات المفرطة والمصالح الشخصية". 

من هو بريغوجين؟

وُلد بريغوجين عام 1961، في مدينة لينينغراد التي يتحدر منها بوتين أيضًا، ونشأ على يد أم عزباء، كانت تعاني من ضائقة مالية. ويعرف بريغوجين أوساط السجون جيّدًا، فقد أمضى تسع سنوات في السجن في الحقبة السوفياتية لارتكابه جرائم.

وخرج من السجن عام 1990 عندما كان الاتحاد السوفياتي على وشك الانهيار، وأسس شركة ناجحة لبيع النقانق.

وارتقى السلّم بعد ذلك، وصولًا إلى فتح مطعم فخم أصبح من أهم مطاعم سان بطرسبرغ (لينينجراد سابقا)، حين كان نجم بوتين يصعد بسرعة.

وبعد وصول بوتين إلى سدّة الرئاسة في عام 2000، راحت مجموعة بريغوجين توفّر خدمات طعام للكرملين، فحظي بلقب "طباخ بوتين"، وقيل إنّه حقق المليارات بفضل عقود عامة.

ويبدو أنه استخدم هذه الأموال لتأسيس فاغنر، وهو جيش خاص ضمّ في صفوفه أولًا مقاتلين قدامى أصحاب خبرة من كلّ من الجيش وأجهزة الاستخبارات الروسية.

تأسيس "فاغنر"

لم يتفق الباحثون حتى الآن عن أصول هذه المجموعة العسكرية الروسية الخاصة. ففي إحدى الفترات، كان الحديث يدور حول أنّ "فاغنر" تأسست في عام 2014، من قبل ضابط سابق في القوات الروسية الخاصة يُدعى دميتري أوتكين، لكن بريغوجين روى في العام الماضي قصة مختلفة.

قال بريغوجين يومها إنه قرّر إنشاء المجموعة بعد خروج تظاهرات من قبل الروس في شرق أوكرانيا في عام 2014، وإنه شخصيًا قام بـ "تنظيف الأسلحة القديمة، واكتشاف السترات الواقية من الرصاص، والعثور على متخصصين بإمكانهم مساعدته في هذا الأمر".

رواية بريغوجين هذه كان قد خالفها تقرير نشره موقع التحقيق الروسي "ذا بيل" عام 2019، مشيرًا إلى أنه لم يكن لدى بريغوجين خيار في هذه المسألة، فقد توصل مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الروسية إلى فكرة "فاغنر"، واختاروا متعهد الطعام الذي كان مترددًا في البداية، لتمويلها... وهذا الرأي الأخير هو الأكثر منطقية.

وعلى الرغم من الخلاف بشأن نشأتها، تمكنت المجموعة الروسية من ترك بصماتها في أماكن عدة، مع تنفيذها مهمات بالنيابة عن الكرملين. وكان لمقاتليها دور في ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وحاربوا بالنيابة عن الموالين لروسيا في منطقة دونباس في أوكرانيا، وقاتلوا في سورية إلى جانب نظام بشار الأسد، وتكبدوا خسائر كبيرة، وتوسّع نشاطهم ليشمل ليبيا والسودان ودولًا عربية وأفريقية أخرى.

وفق "ذا ماسنجر"، يُعتقد أن "فاغنر" عملت في 30 دولة تقريبًا، أغلبها في إفريقيا، وأنها قدّمت خدمات أمنية لبعض حكوماتها مثل السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، مقابل حصول شركات مرتبطة ببريغوجين على امتيازات تعدين الذهب والماس. واتُّهم الغرب مقاتليها بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل، والاغتصاب، والتعذيب.

الحرب في أوكرانيا

وبدا أنّ النزاع في أوكرانيا وفر فرصة من ذهب لرجل الأعمال للخروج إلى دائرة الضوء بعدما عمل لسنوات في الظل، ليفرض نفسه لاعبًا أساسيًا في روسيا.

جنّد عشرات الآلاف من السجناء للذهاب إلى الجبهة حيث واجه الجيش الروسي صعوبات. وعلى العكس من كبار المسؤولين الروس، حضر بريغوجين في ميدان المعركة، وصوّر جثث رجاله، ليطالب بمزيد من الذخيرة.

في مايو 2023 بعد أكثر من عام من المعارك الشرسة والدامية، حقق بريغوجين هدفه بإعلانه سيطرة فاغنر على باخموت في شرق اوكرانيا، محتفيًا بانتصار مميز للقوات الروسية على أرض المعركة، وإن استمرت المعارك في ما بعد.

لكن خلال هذه المعركة أيضًا تفاقم التوتر مع هيئة أركان الجيش الروسي بقيادة فاليري غيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو اللذين اتهمهما بريغوجين بحرمان فاغنر الذخائر، ونشر عدة لقطات مصورة شتم فيها القادة العسكريين الروس.

وهذا أمر لا يمكن تصور أن يقدم عليه أي شخص آخر في روسيا التي لا تتساهل مع مثل هذه المواقف. وتحوّل بعدها رئيس مجموعة "فاغنر" من أحد أهم رجالات سيد الكرملين، إلى ألدّ أعدائه، لتُعلَن موسكو بعد أيام من ذلك وفاته في حادث تحطم طائرته الخاصة.