هل ستتمكن بريكس من تحدي وإضعاف الهيمنة الغربية على النظام المالي العالمي؟

مجموعة بريكس
مجموعة بريكس

حتى الآن، 22 دولة تقدمت بطلبات للانضمام إلى مجموعة "بريكس" (BRICS) بينما أبدت دول أخرى اهتمامها، لكن مراقبون اعتبروا ذلك الاهتمام المتزايد بالتكتل ليس بالأمر الجديد، لكنه يشير إلى الثقة بالعمل الذي قامت به بريكس طوال 15 عاما من وجودها.

ماهي بريكس؟

 بريكس ليست مجرد قوة سياسية تحاول تغيير خطوط الصدع في مجال السياسة العالمية، بل تغير أيضا ما يحدث في الفضاء الاقتصادي على مستوى العالم، حيث من المقرر أن تعقد خلال الفترة من 22 إلى 24 أغسطس الحالي القمة الـ15 لهذه الدول.

ويقال عن مجموعة "بريكس" (BRICS) أنها تكتل اقتصادي عالمي بدأت فكرة تأسيسه في سبتمبر 2006، حينما عُقد أول اجتماع وزاري لوزراء خارجية البرازيل وروسيا والهند والصين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وتم إطلاق مجموعة بريكس رسميا عام 2009.

يضم هذا التكتل 5 دول تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. وكلمة "بريكس" (BRICS) بالإنجليزية عبارة عن اختصار يضم الحروف الأولى لأسماء هذه الدول.

تشكل دول مجموعة بريكس مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الأرض، حيث تضم أكبر 5 دول مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، وهي بذلك تهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة "مجموعة السبع" (G7) التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية.

وقد وصلت مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، بينما توقفت مساهمة مجموعة السبع عند 30.7%.

الدول المرشحة للانضمام إلى بريكست

من بين الدول المرشّحة للانضمام، تبرز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كل من السعوديّة والإمارات والجزائر ومصر والبحرين وإيران. وهذا ما يطرح السؤال عن أسباب اهتمام كلّ من هذه الدول بالانضمام إلى المجموعة، ونوعيّة المكاسب التي يمكن أن تحققها هذه الدول من خطوة من هذا النوع؟

بداية، لا يمكن فصل نشاط مجموعة بريكس عن محاولات تحدّي الهيمنة الغربيّة، وهيمنة الولايات المتحدة الأميركيّة بالتحديد، على النظام المالي العالمي. وهذا ما تحاول المجموعة القيام به من خلال إنشاء وسيلة بديلة لسداد المدفوعات التجاريّة، باستخدام عملة موحّدة بديلة عن الدولار الأميركي.

ومن المفترض أن يتم طرح هذه الفكرة في قمّة المجموعة المقبلة في جنوب إفريقيا، وفي حال نجاح هذه الخطوة، ستكون المجموعة قد تمكّنت ولأوّل مرّة من خلق أداة تداول جديدة، لا تخضع للقيود أو العقوبات الأميركيّة، ولا تمرّ بالضرورة بمصارف المراسلة الأميركيّة، كما هي الحال مع الدولار اليوم.

وفي الوقت ذاته، تراهن بريكس على تطوير بنك التنمية الجديد، وهو بنك متعدّد الأطراف أسسته المجموعة بهدف تمويل المشاريع العامّة والخاصّة، من خلال القروض والمساهمات المباشرة.

وكان البنك قد وافق عام 2021 على قبول عضوية كل من مصر والإمارات، كخطوة تمهّد لقبول الدولتين في مجموعة بريكس. وتسعى المجموعة إلى تعزيز دور هذا البنك كبديل عن المؤسسات الماليّة الدوليّة الأخرى، التي تهيمن على قراراتها الولايات المتحدة، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وإلى جانب هذا كلّه، تسعى دول المجموعة منذ سنوات إلى تطوير نظام مالي جديد لإدارة التحويلات بين المصارف التجاريّة، كبديل عن نظام السويفت الذي يربط اليوم بين المصارف العالميّة. وهذه الخطوة، ستمنع الدول الغربيّة من عزل مصارف معيّنة عن نظام التداولات الماليّة العالميّة، كما فعلت مع بعض المصارف الروسيّة في بدايات الحرب في أوكرانيا.

باختصار، تحاول دول مجموعة بريكس الانتقال إلى نظام اقتصادي دولي رديف، عبر توفير بدائل عمّا تعتبره هذه الدول أدوات للهيمنة الماليّة الغربيّة. وهذا الهدف، يتوافق اليوم –ولأسباب مختلفة- مع أهداف دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تحاول الانضمام إلى مجموعة بريكس.

مصر

الهدف الأساسي لمصر من الانضمام إلى بريكس هو تنويع مصادر التمويل والاقتراض، ومحاولة التغلب على المصاعب اقتصاديّة، الناتجة عن ارتفاع حجم مديونيّة الدولة مقارنة بحجم الاقتصاد، بالإضافة إلى محدوديّة احتياطات العملات الأجنبيّة المتوفّرة، لتمويل سداد الديون الخارجيّة مع الفوائد خلال السنوات المقبلة. 

الانضمام إلى مجموعة بريكس، سيسمح لمصر بتنويع مصادر القروض التي تحتاج إليها بشدّة في الوقت الراهن، بدل الارتهان لشروط وموافقات صندوق النقد الدولي وحده. وهذا بالذات ما يفترض أن يؤمّنه بنك التنمية الجديد، التابع لبريكس.

وبالنسبة إلى الاستثمارات الأجنبيّة، فستتمكّن مصر من استقدام المزيد من الرساميل من دول المجموعة، وخصوصًا إذا ما تم إنشاء أدوات دفع جديدة تسهّل إجراءات التحويلات الماليّة ما بين مصر ودول المجموعة.

ومن المعروف أن مصر سعت في العديد من المحطّات إلى تقديم التسهيلات الكفيلة باستقطاب الرساميل الصينيّة بالتحديد، لاستثمارها في مشاريع البنية التحتيّة.

إيران: 

بالنسبة إلى إيران، تمثّل العقوبات الغربيّة الهاجس الاقتصادي الأساسي، الذي يحول دون اتصالها ماليًا بشكل طبيعي مع النظام المالي العالمي. كما يحول هذا العامل دون تلقّي إيران الاستثمارات الأجنبيّة التي تحتاجها، وخصوصًا في مجال الطاقة. 

حيث أنّ فرض العقوبات على روسيا ايضا، واضطرار الشركات الروسيّة لعرض خصومات كبيرة مقابل بيع نفطها في السوق السوداء، فرض على الإيرانيين تقديم خصومات أكبر لمنافسة النفط الروسي، ما زاد من كلفة العقوبات على إيران.

لذلك تمثّل مشاريع مجموعة بريكس فرصة لا تثمّن بالنسبة للإيرانيين، وخصوصًا إذا نجحت هذه المشاريع بتكوين وسائط دفع بديلة وشرعيّة لبيع النفط، من دون المرور بالمصارف الغربيّة، ولا الارتهان للتداول بالدولار الأميركي.   

أمّا إذا انضمّت السعوديّة والإمارات إلى المجموعة، فتراهن إيران على الاستفادة من رساميل هذه الدول، الباحثة أساسًا عن أسواق مغرية للاستثمار. ورغم وجود العقوبات الغربيّة، ستحاول إيران الحصول على رساميل رجال الأعمال الخليجيين، من خلال وسائل الدفع والعملة البديلة، غير الخاضعين للرقابة الغربيّة، بخلاف ما هو الحال اليوم مع الدولار.

 هذا الرهان يتزامن الآن مع تطبيع العلاقات ما بين إيران والسعوديّة، برعاية صينيّة لافتة للانتباه.

السعوديّة والإمارات والبحرين:

تسعى دول الخليج مؤخرًا، وخصوصًا السعوديّة والإمارات، إلى تنويع علاقاتها الاقتصاديّة والسياسيّة، عبر البحث عن الشراكات الاستثماريّة مع الصين بالتحديد. كما تسعى السعودية إلى بناء تعاون وتحالف وثيق مع روسيا في سوق الطاقة، من خلال تنسيق الخطوات داخل مجموعة أوبيك+.

وجميع هذه الخطوات، تعكس سعي السعوديّة والإمارات، ومعهما البحرين، إلى تقليص ارتهانهم المالي والاقتصادي وحتّى السياسي لدول الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة، التي كانت تُعد حليف المملكة العربيّة السعوديّة التاريخي.

هذا المشهد، يتكامل اليوم مع سعي الدول الثلاث إلى الانضمام إلى مجموعة بريكس. 

 الدول الثلاث ستتمكّن من إيجاد فرص استثماريّة مغرية في دول المجموعة، في حين أن دول الخليج تنعم اليوم بفوائض ماليّة تفرض البحث عن فرص من هذا النوع، بعد ارتفاع أسعار النفط.

على أن كل ما سبق ذكره يبقى في خانة الرهانات والتمنيات، بانتظار قمة مجموعة البريكس المقبلة، والتي يفترض أن يتبيّن خلالها مدى استعداد المجموعة لقبول عضويّة كل هذه الدول، كما ستبقى كل هذه التوقّعات رهينة نجاح مجموعة البريكس بإطلاق عملتها الخاصّة، ونظام التحويلات الجديد.

لكنّ الواضح هو أن جميع دول مجموعة بريكس، ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي طلبت الانضمام إلى المجموعة، تتشارك هدف خلق نظام مالي عالمي متعدّد الأقطاب، بدلا مما تعتبره هذه الدول أحاديّة قطبيّة مهيمنة اليوم.

الخلاصة:

تسعى مجموعة "بريكس" إلى بناء منصة أوسع للتعاون المفتوح وخلق وضع جديد للتنمية المشتركة بين أسواق الدول الناشئة والنامية، ويمكن أن تتوفر لهذه المجموعة فرص كبيرة وثمينة لكسر الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي بشكل عام وعلى النظام المالي بشكل خاص.