مصالح متبادلة: قمة سان بطرسبورج استراتيجية لكلًا من روسيا وإفريقيا

القمة الروسية الأفريقية
القمة الروسية الأفريقية

ضمت القمة الثانية للمنتدى الاقتصادي والإنساني الروسي الأفريقي، والتي عُقدت في مدينة سان بطرسبورج الروسية في الفترة من 27 إلى 28 يوليو المنصرم، 50 دولة أفريقية من أصل 54 دولة، وحضرها رؤساء 17 دولة من هذه الدول، بهدف التشاور مع الجانب الروسي في عدة ملفات سياسية واقتصادية واستراتيجية.

واستهدفت روسيا من هذه القمة وما قبلها إنشاء منصة لتطوير التعاون مع البلدان الأفريقية واتخاذ خطوات مشتركة في مجالات مثل السلام والتنمية والأمن. 

ففي القمة الماضية، التي عقدت لأول مرة في عام 2019، تمت مناقشة قضايا مهمة حينما اجتمعت روسيا مع 43 دولة أفريقية، ومع التنظيم الثاني للقمة، هدفت روسيا إلى اعتماد خطة عمل بشأن مجالات التعاون ذات الأولوية حتى عام 2026، كما تم التوقيع في ختام هذه القمة على إعلان يغطي المسائل السياسية مثل مكافحة الإرهاب وأمن المعلومات الدولي واستخدام الأسلحة في الفضاء الخارجي.

تصور غربي مختلف

الدول الغربية كان لديها تصورا سلبيا عن القمة، وبالتالي لم ترحب بها. ومع ذلك، عندما ننظر إلى عدد الدول المشاركة على الرغم من الأفكار السلبية للغرب، نرى بوضوح مدى أهمية هذه القمة بالنسبة للبلدان الأفريقية ولروسيا. هذا الوضع يعطي فكرة عن أهمية القمة وفرص وإمكانات التعاون بين روسيا والقارة السمراء.

وبالرغم من ذلك تحاول روسيا - التي زادت مؤخرا عدد سفاراتها في القارة إلى ثمانية وثلاثين وتحتل المرتبة السادسة بعد تركيا في ترتيب السفارات في القارة - توسيع وجودها الدبلوماسي في إفريقيا.  ينبع هذا من الرغبة الروسية في زيادة وجودها الدبلوماسي في القارة وإقامة علاقات أوثق مع الدول الأفريقية، التي لديها إمكانات تصويت كبيرة في الأمم المتحدة، وتحويل هذه العلاقات إلى مزايا مختلفة، خاصة في القضايا الاقتصادية والأمنية، تبرز كقوة دافعة مهمة لموسكو. 

في عام 2022، اقترب إجمالي حجم التجارة الخارجية لروسيا مع الدول الأفريقية من مستوى 18 مليار دولار، بينما يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توسيع هذا الحجم بشكل أكبر. وما يعزز ذلك رغبة روسيا في الحصول على المزيد من البعثات الدبلوماسية في إفريقيا من أجل مواصلة تطوير علاقاتها الاقتصادية، وهي موضحة في مقال بوتين بعنوان “روسيا وإفريقيا: توحيد الجهود من أجل السلام والتقدم ومستقبل ناجح”.

السياسة والأمن الغذائي

 إحدى أهم القضايا الحيوية للقمة الروسية الأفريقية من أجل إفريقيا هي جدول أعمال منتجات الحبوب. وعلى الرغم من أهمية الحصول على منتجات الحبوب والأمن الغذائي وخطر المجاعة والجوع بالنسبة للأمن الغذائي العالمي، فإنها تكتسي أهمية كبيرة، لا سيما بالنسبة للبلدان الأفريقية.

لذلك يبدو أن روسيا تبحث عن بدائل لتوريد الحبوب والمنتجات الغذائية والأسمدة والسلع الزراعية الأخرى إلى إفريقيا وتبدأ بمبادرة خاصة للبلدان الأفريقية. هذا كان ملحوظا في اليوم الأول من القمة، حيثةبرز تأكيد بوتين بأن الحبوب الروسية يمكن نقلها مجانا أو تجاريا بدلا من الحبوب الموردة من أوكرانيا إلى إفريقيا. 

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن هذه الحالة تبدو تطورا جيدا للبلدان الأفريقية في المرحلة الأولى، فإنها تحمل معها بعض المخاطر. لأنه بهذه الطريقة، سيزداد اعتماد افريقيا على الحبوب الروسية. 

وعلى الرغم من الحملة الإعلامية للغرب، فان أزمة فاغنر لم تكن مسألة حاسمة  للدول الأفريقية في علاقاتها مع موسكو. 

ومع اختفاء حالة عدم اليقين التي خلقتها أزمة فاغنر في الأسابيع الأخيرة، أخذت الدول الأفريقية في الاعتبار إمكانات التعاون الروسي الأفريقي. ومع ذلك، فإن أزمة فاغنر لم يتم تحييدها بالكامل بعد، وأن مستقبل القضايا السياسية والأمنية الأخرى في مختلف البلدان في إفريقيا لا يزال يلفه الغموض.

الخلاصة:

باختصار شديد، فإن روسيا تضع القارة الأفريقية البالغ مجموع عدد سكّانها نحو 1.4 مليار نسمة، نصب أعينها، وسط تطلعها لإعادة العلاقات مع القارة إلى مستوى الحقبة السوفييتية ومحاولة تعويض تراجع مكانتها على سلّم أولويات السياسة الخارجية الروسية منذ تسعينيات القرن الماضي.

وفي الوقت نفسه، تحاول القارة السمراء تنويع "العلاقات ما بعد الاستعمار والاستعمار الجديد" و"توسيع طيف لاعبين خارجيين تحظى روسيا فيه بمكانة خاصة وأفضلية.